تقنيات الفن المصري القديم
تقديم : نورا مجدى....... الباحثة في تاريخ واثار مصر القديمة
وقد ازدهر فن التصوير و النقش كما تشهد بذلك جدران المقابر والمعابد لكن لابد فى البداية أن نميز بين مفهوم التصوير و النقش ، فالتصوير هو رسم الأشكال على الجدران وتلوينها بينما النقش هو نحت الأشكال على الجدران واستخدم له المصريون عدة طرق لتنفيذ المناظر ولكن اشتهر منها نوعين وهما النقوش البارزة Relief Bas والغائرة Intaglio Relief ، وفى النقش البارز كان يتم خفض أرضية المناظر بحيث تبدو الأشكال وهى تبرز من سطح الحجر و كان يفضل استخدامه فى الأماكن الداخلية و المغلقة من المنشآت ، أما فى النقش الغائر فكان يتم نقش الاشكال غائرة فى الحجر مع بروز الأرضية عنه وكان من المفضل استخدام هذا النوع على الجدران المكشوفة والأسطح الخارجية التى تتعرض لضوء الشمس حيث يحتفظ بتفاصيل المنظر ، كما كان يفضل استخدامه على الاحجار الصلبة مثل الجرانيت والكوارتز حيث يتميز بسرعة تنفيذ المناظر على السطح المعد للنقش .
ولقد أمكن لنا من خلال بعض مناظر المقابر والجداريات غير
المكتملة التعرف على الخطوات التى كان على الفنان اتباعها عند تنفيذ تلك المناظر .
ففى البداية كان يتم إعداد رسم مبدئى " إسكتش " للمنظر المراد تنفيذه
وذلك على قطعة صغيرة من ورق البردي أو الجص حيث يتم تقسيم الورقة إلى عدد من المربعات
الصغيرة والمساوية فى عددها لعدد آخر من المربعات المرسومة على الجدار المراد
تنفيذ المنظر عليه وكان الهدف من ذلك هو تيسير عملية نقل المنظر على الجدار مع
المحافظة على النسب الفنية فيه .ثم تأتى مرحلة اعداد الجدار للرسم أو النقش والتى
تختلف من جدار الى آخر طبقا لخامة الجدار و جودته فعلى الجدران عالية الجودة
كالحجر الجيرى أو الجرانيت كان يتم وضع طبقة رقيقة من الملاط أو الجص لتنفيذ
المناظر عليها ، اما الجدران رديئة النوع والتى لا تصلح للنقش عليها فكان يتم
معالجتها بوضع طبقة سميكة من الطين المعجون بالقش ثم تغطى بطبقة الملاط ليقوم
الفنان بالرسم عليها بعد جفافها .
وقد جاء تصوير الجسم الآدمى - للرجل أو المرأة – فى المناظر المختلفة على جدران المعابد أو المقابر خاضعاً لنسب جمالية رشيقة وكانت تنفذ بدقة متناهية ، وكانت هذه النسب قياسية و محددة وتختلف من فترة الى أخرى حيث كان يتم تحديد هذه النسب من خلال تمثيل الجسم الآدمي داخل شبكة - تشبه شبكة الرسم البيانى – وقد ظهرت دلالات لهذا النظام كخطوط اشارية بسيطة منذ الأسرة الخامسة ( حوالى 2500 ق.م ) على الاقل ، ثم تطورت فى الدولة الوسطى الى نظام مكون من خطوط شبكية مربعة يكون المربع فيها بحجم عرض قبضة اليد – أى شبكة قياس مقسمة الى مربعات والمربع الى أربعة أصابع - وكان الشكل الآدمى الواقف يقسم الى ثمانية عشر مربعاً متساوياً من قمة الرأس حتى أخمص القدمين وكانت الأجزاء المميزة للجسم تقاس بعدد المربعات الشبكية فمثلاً كانت الركبة تقع عند المربع السادس ( أى على ارتفاع 6 قبضات ) من خط الأرض ، وأسفل الردف عند المربع التاسع، وتوجد الرقبة عند المربع السادس عشر، وكان النظام الشبكى يزوَد الأشكال بأوضاع مختلفة غيرالوقوف مثل وضع الجلوس الذى كان يقسم فوق شبكة من 14 مربعاً .
ثم زادت عدد المربعات فى فترة العمارنة الى 20مربعاً وقد
ظهر هذا الفارق فى طريقة استطالة جسم الملك اخناتون حيث وصلت نسبة قياس الرأس
وحدها الى 4 مربعات مما أدى لكسر العديد من رؤوس التماثيل و تعرض حالياً فى المتحف
المصرى ومتحف الأقصر ، ووصلت مع العصر المتأخر وبداية العصر البطلمى الى 21 مربعاً
وانتهت مع العصر الرومانى الى 22مربعاً فظهر الجسد الانسانى به استطالة وامتلاءة
واضحة ظهرت بقوة فى اجساد السيدات والإلهات حيث امتلاءة الوجه والرقبة والبطن
والفخذين ، وتكور منطقة الثدى ورفع المؤخرة لأعلى و كان الغرض من زيادة هذه النسب
فى النقش هو انتاج نقش ثلاثى
الأبعاد وكأنه يقوم بعملية دمج بين النقش والنحت وكأنه تمثال منقوش أو نقش مجسم .
وهذه النسب والمعايير الفنية كانت تطبق أيضا على التماثيل ويتم مراجعتها من فترة
لأخرى حتى يخرج عمل شديد الاتقان .
كما جاء تمثيل أجزاء الجسم الانسانى بعيدة تماماً عن
قاعدة المنظور حيث جاء الوجه مصور بالبروفيل بينما صورت العين يقظة وهى تنظر
للأمام وجاء تصوير الأكتاف من الأمام ايضا
بينما تلف ثلاثة أرباع باقى الجذع وظهر محيط الردف وبطن الساق بشكل جانبى
وبينما كان يتم تصويرالقدم البشرية بالقوس المرئى فى كل من القدم القريبة والبعيدة
ربما لأن القوس كان مظهرا مميزا للقدم، واما تصوير اليد فإنه نتيجة لمحاولة تصوير
كل الأصابع واضحة فى المنظر فقد جاء تشكيل اليد القريبة من الناظر بنفس شكل اليد
البعيدة حتى لايكون هناك اصبع مبهماً أوغيرمرئى فى التصوير .
ولم تكن هذه الأبعاد والخطوط التى تحدد نسب
المربعات تعتمد على الهوى الشخصى للفنان
وانما تحددها الدولة فى عهد
كل ملك حيث تحدد نسب الجسم بحجمه
وهو صغير أو كبير فعلى سبيل المثال يوجد فى جوسق الملك سنوسرت
الأول فى الكرنك (الدولة الوسطى ) قائمة بأسماء اقاليم مصر العليا والسفلى
بالاضافة الى نسب الارتفاعات للشكل الانسانى التى تحددها الدولة فى كل اقليم فمثلاً نسبة الذراع فى سقارة تختلف عن نسبة
الذراع فى الكرنك ، وتنطبق هذه النسب والابعاد فقط على المعابد والمقابر التى تشرف
عليها الدولة ، وبعيداً عن اشراف الدولة فقد كان لعامة الناس مطلق الحرية فى تنفيذ
رسوماتهم حسب ذوقهم الشخصى وهو ما مثل الشكل الشعبى للفن .
وكثيراً ما كان الفنان
يعمد الى بعض المعايير الفنية كالحجم واللون والوضع ليُعبر عن مكانة الشخص
ووظيفته ، حيث كان يقوم برسم الأشخاص فى أحجام تتناسب مع مكانتهم الاجتماعية حيث تظهر الآلهة و الملوك
في حجم كبير يفوق الأقل منهم مكانة فى العقيدة او المجتمع المصرى ، و يصور الرجال
باللون البنى المائل الى الحمرة فى حجم أكبر من المرأة بينما يلون اجساد السيدات
باللون بالأصفر كناية عن اختلاف طبيعة الرجل عن المرأة ، فاللون البنى المائل الى
الحمرة يرمز الى سُمرة الرجل نتيجة لتعرضه
لأشعة الشمس خلال عمله بينما يشير لون
السيدات الاصفر الى انه نادرا ما كانت السيدات تنخرط فى مثل هذه الأعمال الشاقة خارج المنزل ، وكان
الفنان يصور الأشخاص في سن الشباب مستبعدا عوارض الزمن و العيوب الخلقية حيث كان الهدف هو تصويرهم فى الهيئة التى
يأملون ان يكونوا عليها فى العالم الآخر
وهو ما يؤكد على مثالية الفن المصرى القديم دون الواقعية ، وصور الفنان الصبية دون
سن البلوغ وهم عرايا وفى أوضاع اللعب واللهو وتزين رؤوسهم جديلة شعر جانبية وأصابعهم فى افواههم وأحيانا
يمسكون بالهدهد كناية عن الطفولة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق