--> الألوان ورمزيتها فى مصر القديمة - J.E.C (Journal of Egyptian Civilization)
Home مقالات مصر القديمة

الألوان ورمزيتها فى مصر القديمة

 

الألوان ورمزيتها فى مصر القديمة

تقديم : نورا مجدى " باحثة فى الآثار المصرية "


تلعب الألوان دوراً مهماً فى حياتنا اليومية فما هى الا احساس يعبر بها الانسان عن حالته النفسية كالفرح أو الحزن أو الغضب ، وفى الحضارات القديمة كانت الألوان احدى الطرق التى تعبر من خلالها عن المعتقدات والرموز الدينية والاجتماعية و البيئية .

و فى مصر القديمة كانت رمزية الألوان مهمة للغاية وثابتة عبر التاريخ توارثت من جيل الى جيل ومن فنان الى آخر، ولم يتم اختيار أى لون عشوائياً وكان لكل لون معنى و رمزية خاصة به ، وفهم رمزية هذه الألوان يعتبر ضرورياً للمساعدة فى كشف  أسرار العقيدة المصرية القديمة بصفة خاصة والحضارة المصرية القديمة بصفة عامة .

والمتأمل فى فنون مصر القديمة يجد أن المناظر الجدارية فى المقابر والمعابد وغيرها من آثار مصرية فى متاحف العالم قد بقيت فيها الرسوم والنقوش بألوانها الزاهية التى تدلل على مهارة فنان ذو حس جمالى وله تجارب متعددة فى اختياره للألوان وتنسيقها ، وقد استخدم المصريون فى أعمالهم الفنية ستة ألوان أساسية هم " الأبيض – الأسود – الأحمر – الأصفر- الأخضر- الأزرق " وكان يتم انتاج اللون بواسطة صبغات من أصول معدنية فمثلاً ( أكسيد الحديد للون الأحمر – أكسيد النحاس للون الأزرق – الجبس للون البيض – فحم الخشب للون الأسود ...) ، مضافاً اليها راتنجات نباتية ، أو بياض البيض ، لزيادة تماسكها وهذا هو السبب فى بقاء الألوان حتى اليوم بالاضافة الى إغلاق بعض المقابر التى لم يعبث قيها اللصوص بإحكام تام فحافظ ذلك على وجود هواء دافئ جاف لم يؤثر على صفاء الألوان ، ولم يكتفى المصرى القديم بتلك الألوان بل كان يضع احدى الصبغات على الأخرى للحصول على الظلال المتوسطة ، وقد تطورت عملية تلوين المناظر باستخدام الألوان تطورا مستمرا من عصر الى آخر حيث نلاحظ فى الدولة القديمة كان الفنان المصرى القديم يستخدم خمسة ألوان فقط ألا وهى " الأحمر – الأصفر- الأبيض – البنى – الأزرق ) ، بينما فى عصر الودلة الوسطى قد استعمل ألوان أخرى بجانب هذه الألوان مثل الأخضر ، وأثناء الدولة الحديثة كانت الألوان الخفيفة الرقيقة شائعة فى التلوين بالاضافة الى استخدام التظليل ، وبحلول العصور الرومانية كان الفنانون قد طوروا تقنية الرسم بالألوان الشمعية المثبتة بالحرارة " الشمع المصبوغ " الذى سمح بتنوع أضخم من عجائن أصباغ مسحوقة .

ومن الألوان و رمزيتها :

        ·اللون الأبيض :

عرف اللون الأبيض فى مصر القديمة منذ عصور ما قبل الأسرات ، وهو من أهم الألوان القديمة وله اهمية مع المصريين القدماء حيث كان يرمز الى الطهارة والقداسة وكتان الملابس فكان يلبسه كبار الكهنة ورجال الدين وكان يستخدم فى تلوين الثياب ، وبياض العين ، كما استخدم فى أواخر الاسرة الثامنة عشر فى تلوين خلفيات المناظر ، وقد استخدم ايضا فى تزيين الأوانى الفخارية ، وكان لون الفضة والرخام وبشرة نفرتوم وملابس الآلهة وتاج مصر العليا ، وقد استطاع الفنانون الحصول منه على درجات لونية مختلفة وكان يستخدم أيضا فى تخفيف الالوان الاخرى . وكان يُحضر من الجير الحي (كربونات الكالسيوم) أو من الجبس (كبريتات الكالسيوم ) أو أبيض الرصاص (كربونات الرصاص) ويوجد فى الطبيعة على هيئة معدن السيروسيت .

        ·اللون الأسود :

كان يستخدمه المصرى القديم كلون يعبر به عن الليل و الموت والعالم الآخر ولذلك فقد استخدم كثيرا فى الشعائر الجنائزية ، وهو لون بشرة أوزيريس وأنوبيس  ولون التماثيل الجنائزية ، وأيضا عبر به المصرى القديم عن فكرة التجدد والخصوبة لتربة مصر السوداء والتى سميت به مصر " كمت kmt " أى التربة السوداء التى تجدد خصوبتها بعد فيضان كل عام ، كما استخدم كلون أساسى فى تلوين شعر النساء والشعر المستعار واستخدم أيضا ككحل حول العين للتزيين والمعدن الأساسى المكون لهذا اللون هو الكربون ويوجد فى عدة صور منها : السناج كان يؤخذ من فوق الأسطح التى كانت تستخدم فى طهى الطعام ، و الفحم النباتى بعد مزجه بالغراء الحيوانى وهو أقل نقاوة من السناج .

        ·اللون الأزرق :   


عرف اللون الأزرق فى مصر القديمة وكان يستخدم فى المناظر للتعبير عن مياه النيل الزرقاء ، كما استخدم أيضا فى تلوين الاسقف للتعبير عن السماء الصافية وهو أيضا يرمز الى الحياه والميلاد مرتبطاً بالفيضان السنوى للنيل ومن ثم الخصوبة والزراعة للأرض المصرية ، وهو لون اله النيل " حعبى " ولون بشرة الإله " آمون " . ولهذا اللون عدة مصادر للحصول عليه منها الأزوريت (كربونات النحاس) وهو من أقدم المصادر الى كان يستخرج منها اللون الأزرق ، ويوجد بحالته الطبيعية فى سيناء والصحراء الشرقية . أما الأزرق المصرى فهو لون ليس طبيعى ولكن كان يُحضر صناعياً وذلك نظرا لقلة الأزوريت فى مصر ، ومن الأمثلة التى لونت بهذا اللون هى لوحة " أوز ميدوم – الأسرة الرابعة " وهذا اللون هو دليل على تقدم المصرى القديم فى تصنيع الألوان ، وهو مكون من سليكات النحاس والكالسيوم .

        ·اللون الأخضر :

 كان لهذا اللون أهمية خاصة عند المصرى القديم فقد كان يرمز الى الطبيعة حيث انه استخدم فى تلوين الأشجار والنباتات والأزهار ، وهو رمز للنماء والخصوبة وأيضا الى الشباب والحيوية ، وارتبط بالآلهة أوزيريس وواجيت وحتحور . و يستخرج هذا اللون من معدن الملاخيت (كربونات النحاس ) ، ويوجد هذا المعدن فى شبه جزيرة سيناء وفى الصحراء الشرقية وفى أماكن مختلفة من الصحراء الغربية ، وقد استخدم هذا اللون منذ عصر ما قبل الأسرات .

        ·اللون الأحمر :

 يعتبر من الألوان الرئيسية التى استخدمت فى الرسومات منذ عصور ما قبل التاريخ ، وكان هو اللون الملكى الدال على النصر والقوة والغضب بسبب ارتباطه بلون الدم والنار وهو لون تاج مصر السفلى، وقد استعمل فى الكتابات المدونة على الجدران و أوراق البردى وكان يستخدم فى كتابات معينة منها بدايات الفصول وأوائل الفقرات والكلمات الدالة على الشر .

        ·اللون الأصفر :

استخدم هذا اللون منذ عصر ما قبل الأسرات وزاد استخدامه وبلغ قمة انتشاره خلال عصر الدولة الحديثة وكذلك العصر الصاوى ، وكان هو لون الشمس والذهب ورمز للخلود ، وله عدة مصادر يستخرج منها مثل المغرة الصفراء وهى من أشهر المصادر للحصول على هذا اللون وتتواجد فى الطبيعة فى الأحجار الرملية بمنطقة الصحراء الغربية بمناجم الحديد فى الواحات البحرية كذلك تتواجد مكونة الكثير من الصخور بالصحراء الشرقية . وكذلك الأوربمنت الذى استخدم ابتداء من الاسرة الثامنة عشر و أطلق عليه الأصفر الملكى او الأصفر الذهبى ، ووجد منه كيس بمقبرة الملك توت عنخ أمون .

وقد كان نقاء الألوان من الضروريات في مصر القديمة  فقد كان على الفنانين الانتهاء من تلوين الأجزاء التي لها لون واحد قبل الانتقال إلى اللون الآخر . ويبدو أنه كانت هناك طبقة من مواد معينة يمكنها أن تضيف لمعاناً علاوة على حمايتها للألوان .

واستخدم فى عملية التلوين فرشاة خشنة مصنوعة من حزم من ألياف النخيل المجدولة معاً من أحد أطرافها لتصنع المقبض ، أو تُستخدم قطع من الخشب الليفى الممضوغ أو المطروق عند أحد الطرفين . وفى نهاية الرسم كان المنظر يُعاد رسم الأطر الخارجية له والتفاصيل الداخلية باستخدام فرش ضيقة من البوص تشبه الفرش التى يستخدمها الكتبة .

اقرأ أيضا:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخترنا لك

to Top