صناعة التماثيل وتطورها في مصر القديمة
صفاء احمد ..الباحثه في ترميم الاثار
المصرية
عمد المصريون منذ العصر الحجري الحديث إلى صنع تماثيل للإنسان والحيوان من الصلصال والفخار والعاج ،
وقد تفاوتت أشكال هذه التماثيل بين السذاجة البدائية وبين الإتقان النسبي ، وما عثر عليه منها يدل على مقدرة فنية عالية ، وقد لقبت من عصر بداية الأسرات تماثيل صغيرة من العاج تدل على قدرة الفنان على تمثيل ملامح الرجال والنساء بملامح دقيقة وشعور متموجة وقامات رشيقة وأجسام نابضة بالحياة.
كما كانت تمثل جسم المرآة موضوعاً شائعاً في
تماثيل عصر ما قبل الأسرات حيث كانت تأخذ صورة البرية أو الأم وقد بدأت تظهر هذه
التماثيل منذ حضارة البداري وكانت غالباً ما تصنع من العاج حيث أنه ذو جزيئيات
متماسكة وقد عثر على تمثال صغير من العاج لإمرأة ترجع إلى عصر البداري رصع الفنان
العينين بمادة خلاف العاج التمثال محفور حالياً في المتحف البريطاني .
ومن التماثيل في عهد بداية الأسرات ما كان يصنع
من القيشاني الأزرق الضارب إلى الخضرة أو الخشب الأبنوس أو والنحاس المطروق ولكن
لم يحفظ منها إلا قليل.
وابتداء من الأسرة الأولى أو قبل ذلك بقليل بدأ
الفنان المصري القديم في استخدام الحجر في صناعة تماثيل الإنسان والحيوان حيث مثل
الإنسان في هيئات مختلفة منها الواقف والجالس وغيرها على أن هذه التماثيل الأثر في
جودتها ودقتها إلى المستوى الفني الذي بلغته التماثيل العاجية إلا أن استمرار
المثال المصري في نحت تلك التماثيل أعطى له قدرة فائقة على صناعة التماثيل الحجرية
.
وفي أواخر الأسرة الثانية بلغ المثال في نحت
التمثال الخشبية مشواراً بعيداً يدل عليه تمثالان للملك ( خع سخم ) أحدهما من حجر
الشست الآن المتحف المصري والأخر من الحجر الجيري الأبيض ( متحف شيموليان
بالسنفورد ) وهما ينطقان بما بلغه المثال من براعة منذ بداية الأسرات وبما أصبح له
من قدرتها فنية جليلة ومن السمات الواضحة لهذه التماثيل على اختلافها تجنب المثال
تماثيل الحركة والمشاعر اكتفائه بتمثيل الإنسان أو الحيوان وهي هادئ مطمئن في
أوضاع قليلة محدودة.
وهذه من الصفات التي احتفظ به فن النحت طوال
عصور الحضارة المصرية وهكذا يبدو من الأعمال الفنية في بداية عهد الأسرات أن
الفنون المصرية اكتسبت الصفات والخصائص والتزمت في مختلف عصورها التالية وأن ذلك
العصور أنما كان عهد خلق وتكوين وصنعت من قواعد الفنون في مصر القديمة ، وأن كانت
الأصول الأولى لهذه القواعد تمتد إلى ثقافات ما قبل الأسرات إلا أنه لم ليستقبل
للفنون المصرية طابعه الخاص وخصائصها المميزة في شكل واضح إلا في عصر بداية
الأسرات .
وفي الدولة القديمة تميزت الفنون بصفة عامة
لضخامتها وبما تفيض به من قوة وشباب بجانب شدة تنظيمها ، كما غيرت في الوقت نفسه
بما تنطق به سماحة وبساطة تغنيانها عن كل زخرفي وزينة . ومع كل هذه الصفات العامة
كان لكل أسرة على وجه التقريب طرازها الفني الذي يميزها عن غيرها ففي الأسرة
الثالثة تميزت فنون البحث برشاقتها وأناقتها وإيثارها الزخرفي القليل كما يظهر في تمثال ( زوسر )
بالمتحف المصري.
أما الأسرة الرابعة فكان لها طرازها المميز الذي
يظهر واضحاً في تمثالي " رع حتب وزوجته نفرت " ( معروضان حالياً بالمتحف
المصري ) وهما يعتبران من ابدع ما خلفته الدولة القديمة في فن النحت حيث زاد من
ميولة التمثالي لتطعيم العيون الذي كان يعتبر من وسائل الفنان المصري القديم لجعل
تماثيله أقرب ما يكون للواقع وكان الفنان ليهتم أيضاً بتكوين التماثيل بالألوان
الطبيعية كما كان يحرص على جعل الملامح صادقة بقدر الإمكان.
ومن الصفات المميزة لأسلوب فن النحت إبان الأسرة
الرابعة ما يسمى بالرؤوس البديلة وترفع هذه الرؤوس إلى عصر الملك ( خوفو ) و (
خفرع ) وكانت بديلة عن التماثيل وأحجامها وكان الغرض من هذه الرؤوس هو أن تتعرف
فيها الروح على صورة صاحبها إذا دخلت المقبرة كبديل عن التمثالي وهذه الرؤوس تكون
طرازاً جديداً لم يكون معروفاً من قبل ولم يعرف أيضاً من بعد عصر الملك ( خفرع ) .
كذلك ظهر للمرة الأولى في الأسرة الرابعة تماثيل
لشخص جالساً متربعاً على هيئة الكاتب يسند بيده اليسرى المبسوطة ملف البردي المفتوح
على فخديه في حين يتأهب للكتابة بيده اليمنى التي كان بها أغلب الظن قلم من البوص
خاص بالكتابة على البردي مثل تمثال ( ستكا ) أن الملك ( جدف رع ) والمعروف حالياً
بمتحف اللوقي ، ولعل الغرض الأساسي من هذا الوضع هو التعبير عن ثقافة صاحبه لاسيما
أنه قد مثل بعض أفراد الدولة القديمة ، وقد استمرت هذه الأنواع من التماثيل بعد
ذلك كصورة محببة للمثقفين وكبار رجالي الدولة.
وتتميز تماثيل ذلك العصور باستقامة الخطوط
وبساطتها وبما تجلي منها من قوة التشكيل وشبه التكوين ومن أشهر التماثيل الملكية
تمثالي الملك " خفرع " من الديوريت.
وتسير أعمال النحت في الأسرة الرابعة بوجه عام إلى أنه قد ساد في ذلك الوقت طرازين في تمثيل الأشخاص يهدف أحدهما إلى تمثيلهم في صورة مجلوة ، برءت من مظاهر الحياة الفانية وخلصت من أدرانها وسميت على ما يلازمها من نقص ، وقد حقق المثال في ذلك في سهولة وفي خطوط بسيطة قوية تدل على مقدرته الفنية ، أما الطراز الثاني فكان يرتبط فكان يرتبط إلى حد كبير بالصورة الطبيعية لصاحب التمثال ولا يغيرهما في تمثيل التفاصيل البارزة في دقة وبراعة بما يجعل التمثالي أقرب ما يكون لصورة واقعية دنيوية وكان كلا الطرازين يعملان بوحي الآراء السائدة وما كانت تمليه العقائد والتصورات وبوجه عام فقد كانت تتمثل في فنون الأسرة الرابعة معاني العظمة والقداسة والقوة كأقوى ما تكون.
وفي الأسرة الخامسة قلت تماثيل الملوك ومعظم ما
عثر عليه منها كان صغير الحجم وليس ذو أهمية فنية كبيرة بينما كثرت وانتشرت تماثيل
الأفراد . ويرجع ذلك إلى ازدياد نفوذ عظماء الأفراد وعلو شأنهم . وكثير من هذه
التماثيل التي يرجع تاريخها إلى ذلك العصر لنحت من الخشب الذي كان يغطي بطبقة من
الجسو الملون وغالباً ما كانت تلك التماثيل تعتبر مهتمة من الملك إلى كبار رجالي
دولته المقربين إليه وقد تميزت تماثيل الأفراد ببراعة صناعتها وبما يجيش في وجوهها
من حيوية ومن أشهرها تمثالات لكابتين أحدهما في متحف اللوفي والأخر في المتحف
المصري ثم تمثال شيخ البلد وزوجته بالمتحف المصري .
وفي النصف الثاني من الأسرة الخامسة لم ترقي
التماثيل إلى المستوى الفني الذي بلغته من قبل ، ولم يكن هناك اهتمام بصناعة
العيون المطعمة على عكس ما كان عليه الأمر من ذي قبل ، كذلك شاعت في الأسرة
الخامسة مجموعات التماثيل الأسرية التي تمثل رجلاً وزوجته أو مع أبنائهما ، وكانت
تصنع من الحجر الجيري أو من الجرانيت أو الخشب.
وظهرت في عصر الأسرة الخامسة ما يسمى بالمجموعات
الكاذبة وهي مجموعات تماثيل تمثل شخصاً واحد مرتين أو أكثر ، تارة في وضع متماثل
وتارة أخرى في أوضاع وهيئات مختلفة ، ويرى " فولفي " أن هذه التماثيل قد
تشير إلى المتوفى وقرنيه ولعل الهدف من هذه المجموعة هو ضمان الحفاظ على تمثال
واحد أو أكثر سليم في مقبرة حتى تتعرف عليه الروح في حالة ما إذا الم تلف أو تشويه
بالتمثال الأساسي في المقبرة .
وقد أزداد في عصر هذه الأسرة ما كان يودع مع
تمثال المتوفى في سردابه من تماثيل الخدم وهي معروفة لنا منذ عصور ما قبل التاريخ
تمثلهم يؤدون أعمالاً مختلفة لخدمة المتوفى في العالم الأخر.
وفي الأسرة السادسة لم يحفظ لملوكها غير تماثيل
قليلة على رأسها تمثالي صغير من حجر الجرانيت الأحمر ينسب إلى الملك (تتي) ، أما
تماثيل الأفراد المصنوعة من الحجر فكان أغلبها من صناعة غير جيدة فمنها ما يجحظ
فيه العينين وتطول القامة وخاصة في تماثيل الأقاليم.
وبانتهاء الأسرة السادسة تنتهي الدولة القديمة
وقد لوحظ أن لكل أسرة فيها طرازها وذلك بما يتفق مع روح العصر الذي نفذت فيه .
ففنون الأسرة الثالثة لها وقتها وعظمتها وفنون الأسرة الرابعة تتجه إلى الجلال
والعظمة ، في حين تبدو مظاهر الشر واضحة في فنون الأسرة الخامسة ، أما الأسرة
السادسة فتميزت بطرازها الجديد في فن التماثيل سواء الملكية أو تماثيل الأفراد.
وفي عصر الانتقال
الأولى الذي استمر ما يقرب من قرن ونصف ( من بداية الأسرة السابعة حتى نهاية
الأسرة العاشرة ) عمت الفوضى البلاد وأهال التدهور الفن في جميع المجالات وأصبح فن
أقليمي ، إذ انتقلت مركزية الحكم من يرفون منف عاصمة الدولة القديمة ، وتولى عن
أغلب حكام الأقاليم حيث نهج كل منهم سياسة محلية ضيقة ، مصير جهوده قلالها في حدود
منطقته دون الاهتمام بالعاصمة وفرعونها ، فخسرت منف إمكانياتها المادية وقدرتها
الإنشائية الواسعة وفقدت زعامتها الفنية وتدهورت مدارسها . ولم لقيت التدهور فن
منف وحده وإنما أصاب قوة الأقاليم أيضاً ، إذا أن الفنانين كانت تنقصهم المهارة
وروح الإبداع واصطبغت فنونهم بالصبغة الإقليمية والصبغة الريفية فنحتوا أغلب
تماثيلهم من الخشب لسهولة نحته ، وصنعوا من تماثيل أثرياء الأقاليم وهي تماثيل
صغيرة في مجملها تتصف بخشونة الصناعة وتميل إلى الاستطالة والنحافة ولا تميزها غير
ميزة واحدة هي أنها لو سميت مذهباً واقفاً متواضعاً وقلدت ملامح أصحابها ، في غير
تحميل مقصود وعوضت خشونة صناعتها بإخلاص التعبير عن ملامح الحياة الريفية في وجود
أصحابها.
وفي عصر الدولة الوسطي نجح فنانون أن يضيفوا
عناصر كثيرة في الحيوية والتجديد على أساليب العمارة والنحت والنقش جميعاً وتميزت
الدولة الوسطي بمظاهر عدوانية تنطوي على التهديد والجبروت وقد تأثرت مذاهب النحت
في عصرهم ، بمدرستين ، مدرسة قديمة في منف رجعت بتقاليدها الفنية إلى تراث عصر
الدولة القديمة وخلطة الواقعية بالمثالية مثالي تمثالي الملك ( سنوسرت الأولى )
التي عثر عليها في اللشت ثم مدرسة أخرى في طيبة استجبت الأسلوب الواقعي.
وقد عاشت هاتان المدرستان اللتان تأثرتا بهما
مذاهب النحت في هذا العصر جنباً إلى جنب ، المنفعة تنزع إلى التأكيد والطيبة لفضل
الواقعين.
ويلاحظ أن أغلب التماثيل الملكية في هذا العصر
تفوق الحجم الطبيعي وهذا طراز من التماثيل لم يكن معروفاً خلال الدولة القديمة.
أما تماثيل الأفراد فلم يعتبر الأعلى عدد قليل
يتضح في أغلبها تلك الخشونة التي كانت متبعة في أوائل الأسرة الحادية عشرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق