المعابد الجنائزية رحلة خلود المصريين
بقلم د/ نزيه سليمان
كانت المعابد
الجنائزية أو معابد تخليد الذكرى أي
"معبد ملايين السنين" فى عصر
الدولة القديمة بجانب المقابر الملكية، أو الأهرامات، وتعرف فى المصطلحات
الأجنبية بـ FUNERARY
TEMPLES و MORTUARY TEMPLESوكانت هذه المعابد تعرف عند المصريين القدماء باسم "معابد ملايين
السنين"، وكان من اغرض اقامته تخليد ذكرى الميت، وهى ما جعل هذه المعابد تعرف
باسم معابد تخليد الذكرى، ولتسهيل عملية تلقى الروح للقرابين[1]
كانت المعابد الجنائزية فى عصر الدولة القديمة تقام بجوار اهرامات اصحابها، واستمر
الامر هكذا طيلت عصر الدولة القديمة[2].
المعبد الجنائزى لزوسر[3]:
ومبانى المعبد الجنائزى مقامة على تخطيط مربع الشكل ويجاور منتصف الواجهة
الشمالية للهرم . ويؤدى ممر منحدر الزواية بالقرب من السرادب خلال دهليز طويل إلى
فناءين يشكلان مركز التخطيط . وعلى الجانب الجنوبى فى كل فناء ، توجد واجهة المعبد
نفسها[4]،
وهى تتكون من أربعة أساطين جدارية مضلعة ، بينها ثلاثة مداخل، وتمتد خلف تلك
الواجهتين المزدوجتين[5]
صالة عريضة متصلة بشبكة من الممرات، ومن المعتقد أن هذا المعبد كان تمثيلا مكثفا
لقصر الملك فى منف ، وتظهر ثنائية الملكية المصرية هنا فى الأفنية المزدوجة
وواجهات هذا المعبد.
المعبد الطقسى الجنائزى[6]
:
أقيم ممر عريض فى المجموعة الهرمية للأسرة الرابعة بين مقصورة التقدمة
والمعبد الطقسي الجنائزى، وتخطيطه متناسق على نفس المحور (إلافى مجموعة أوسر كاف)،
ويؤدى ممر من الركن الشمالى خلف المعبد الطقسى الجنائزى إلى هذا الممر ، وذلك
ليتصل بمقصورة التقدمة، وسوف يخرج هذا الممر فيما بعد ناحية حجرة بعد ناحية حجرة
متقدمة وحجرة اخرى تزين جدرانها بمناظر عيد اليوبيل الخاص بالملوك وبالمعبودات[7].
وللمعبد الطقسى الجنائزى مثل معظم عناصره
الأساسية [8]،
خمس مقاصير متجاورة فى جداره الخلفى، ويمكن الرجوع إلى أصل مثل هذا التخطيط فى معبد
االأسرة الأولى الخاص بأول الغربين " خنتى امنيتو" رب الموتى فى ابيدوس[9]،
ففى هذا المعبد توجد ثلاث حجرات متجاورة ,
مفتوحة على قاعة عريضة يتقدمها فناءان،
وكانت وظيفة هذا المعبد تزويد الموتى ، فى الجبانة المجاورة ، بالقربين من
فناء أضحياته وإمدادهم بالحماية، وكان
الملك المتوفى يمنح التقديس عن طريق تمثاله , بعد إقامة الاحتفالات[10]
فى المقصورة الوسطى لهذا المعبد .
وهذه
الصورة لهذا المعبد فى مجموعة ملكية توجد فى مجموعة زوسر, أمام الركن الجنوبى
الشرقى لهرمه، فيذهب جزء من موكب الدفن
إلى المقبرة الجنوبية[11]
من أجل الاحتفالات الخاصة بتمثيل عملية الدفن فى "بوتو" ويتجه[12]
باقى الموكب إلى الهرم للاحتفال بعملية الدفن فى ابيدوس حيث يمر أمام معبد "أول
الغربين"، وقد اضيفت حجرتان إلى هذه الحجرات الثلاث, مختلفة نوعا ما فى الحجم,
وهى تمثل المزارات القومية للجنوب والشمال, وتضم جميع القاصير الخمس تماثيل، ويبدو
أن هاتين الحجرتين قد مثلتا فى مجموعة زوسر[13]
فى مرحلة تطورها الأولى بقصرى الجنوب والشمال، ونقل فناء الاضحيات الخاص بمعبد
الأسرة الأولى فى أبيدوس إلى الفناء الكبير لمجموعة زوسر الهرمية وإلى الفناء
المتسع أمام مقاصير المجموعة الهرمية فى
الأسرة الرابعة ويبدو أن الجزء الخالى الذى يربط الفناء المتسع بمقاصير التمثال
يقدم بأسلوب رمزى العنصر المعروف من نصوص الاهرام باسم "بوابة نوت"،وقد زينت الجدران فى
معبد خوفو بنقوش غائرة, وهو مظهر أدى إلى حمايتها خلف رواق ذى أعمدة يمتد أمام
الجدران وعزلت "بوابة نوت" المسبوقة بقاعة متسعة عن الفناء فيما بعد
(أوسر كاف وساحورع) وتطورت نسبيا إلى حجرة صغيرة متقدمة وممر,(بيبى الثانى)، ويبدو أن الانفصال ذاته بين مقصورة القربين
والفناء المنقول من فناء الأضحية لمعبد أبيدوس[14]
من العصر العتيق يشير إلى تخصيص "رع " لهذا الفناء، وكان "رع" قد احتل مكان الصدارة فى
الأسرة الخامسة فى العقيدة الجنائزية الملكية، ولقد شيد مذبح فى الفناء لحرق
الأضاحى فوقه [15]،
وتحول الفناء فى معبد ساحورع فى التخطيط حتى أن مقاسه الأكبر أصبح بطول
المحور الطولى , وهو تنظيم ظل مستخدما بانتظام فيما بعد (نى أوسررع- بيبي).
وكان هذا الفناء محاطا برواق ذى اساطين
نخيلية كتذكار من غابة نخيل مبكرة كانت فى بوتو. معبد الوادى[16]
:
عرفت
فكرة البناء على حافة الصحراء حيث كانت تقام شعائر الدفن فى معبد الأسرة الأولى
الخاص "بأول الغربين" فى ابيدوس، فكان "أوزيرس" خليفة رب
الموتى المبكر هذا وتحول المعبد إلى مبنى يمكن أن تقام فيه إعادة طقوس التطهير
وعمليات التحنيط على المومياء وتوهب التماثيل بالحياة خلال احتفال "فتح الفم" ومعبد الوادى الذى اكتشف اقدم مثال له هو معبد
خفرع يتكون كما وصفه عالما الآثار "ريكة وشوت Ricke-Schott " من سبعة اجزاء, ترتبط
بوظائفها الطقسية، وعلى ضوء نصوص الأهرام, أمكنهم التعرف على العناصر الإنشائية
مثل الأماكن التى ربما كانت تستخدم للنزول إلى البر,وأماكن التطهير الطقسى ,
والحماية والتحنيط وفتح الفم، وأقيمت كل
تلك العناصر متناسقة ممتدة حول المحور الطولى،
وللمرفا ذراعان يرمزان لاستقبال كلا الموكبين من "بوتو" [17]
و "أبيدوس" ويؤديان عن طريق زوجين من الممرات, حيث كانت تقام شعائر
تطهير المومياء ,إلى الأقسام[18]
الخاصة بالتحنيط ، وقد تم التطهير الحقيقى لجثة المتوفى فعلا فى كوخ من الأغصان
المجدولة كما هو ظاهر فى مناظر المقابر الخاصة من الأسرة السادسة فى "الجيزة"
و"مير" وتخطيط هذا البناء البسيط بشكل كوخ على هيئة حرف T ذى
مرفئين فى كل من نهايتيه[19]،
ومن الممكن فهم العنصر الأوسط على أنه
رصيف مصنوع من الأغصان معلق فوق قناة
(رمزا لحقول الحلفاء فى نصوص الأهرام)، وتحفظ المعدات الخاصة بالتطهير فى هذا
الكوخ مثل السلال وذراع خشبية , وعلامات الحياة بالإضافة إلى نعال, وألوان مختلفة
من الوجبات وعلب بها لفافات البردى، وتقع اقسام التحنيط فى صالة عريضة متصلة بصالة
طويلة كلتا ذات اعمدة (ستة أعمدة فى معبد خفرع) أو أساطين (ثمانية أساطين فى
الصالة المستعرضة فى معبدى ساحورع , ونى أوسر رع)، وتظهر مقابر الأسرة السادسة الخاصة رسومات
للمسقط الأفقى والمسقط الرأسى لكوخ التحنيط :
وهو عبارة عن بناء من حجرة واحدة يسبقه فناء
أمامى له جدار ساتر وظلة فوق اسطونين نخليين، ويبدو أن قمة المبنى قد زينها صف من
علامة "الخكر" ويبدو أن جدارا بمدخل غير مباشر فى أحد الأركان كان يحيط
بالمبنى، وفى الأسرة الخامسة ومن المحتمل أنه بتأثير من عقيدة الشمس, حلت أقسام
التطهير مكان أقسام التخطيط[20]
التى كانت مختفية نوعا ما خلف حائط, ولكن كان لها واجهة مفتوحة تماما، وظهرت نتيجة ذلك فى التخطيط ذى المحور المفتوح(ساحورع-
نى أوسر رع)، وبالقرب من نهاية الدولة القديمة , وعندما استعادت الديانة الأوزيرية
بعضا من قوتها, إختفت أقسام التحنيط الطقسية مرة أخرى (بيبى الثانى)، وقد شوهدت
طقوس "فتح الفم" تبعا لنصوص الأهرام المرتبطة بطقوس (بيبي الاول)[21]
التحنيط فى الصالة الطويلة المتصلة نفسها بصالو التحنيط المتسعة (خفرع)، ومن
المحتمل أن الاحتفال كان يقام على المومياء الموضوعة فى منتصف الصالة والتماثيل
الملكية قائمة بجانب الجدران، وتصور تلك
التماثيل الملك على هيئة معبودات كثيرة، وبتاثير من الإله "رع" تحولت أقسام
فتح الفم إلى كوة (ساحورع), بينما تحول المبنى كله إلى بوابة تذكارية أكثر منه
معبدا، ولم يستمر ذلك ولكن المعبد زود فيما بعد بأقسام غير ظاهرة للتحنيط وغرفة
غريبة لفتح الفم (بيبى الثانى)، وابتداء من عصر (الملك سنفرو) يظهر مبنى يشبه فى
تخطيطيه معبد الوادى, الذى اقيم فيما بعد (خفرع) قبل المعبد الطقسى الجنائزى : وهو
المعبد المتقدم بق بقاعاته العريضة والعميقة وسلسلة من ست كوات عميقة، وتتكون إحدى
المجموعات من أربع كوات, اثنتان منها أقصر لتستر الأعضاء الداخلية للميت فى دفنه "بوتو"
وكانت المجموعة الثانية المكونة من كوتين مخصصتين
لتاجى مصر السفلى, فى الاحتفال الخاص بمدينة سايس، واقيمت هذه الكوات فيما بعد ايام شبسكاف, وخنت
كاوس, ومنكاروع، فى المبنى السفلى أو فى الغرف الداخلية للمقبرة نفسها .
الطريق الصاعد[22]:
مع
معبد الوادى يظهر الطريق الصاعد الذى يربطه بالمعبد الجنائزى . وكان فى الأصل
طريقا منحدرا مفتوحا يحده جداران جانبيان (ميدوم[23]
ودهشور), ولكنه سقف فيما بعد ليخفى المواكب عن الأعين ولحماية النقوش الغائرة التى
تزين جدرانه (ساحورع, ونى أوسر رع, وبيبى الثانى[24]، وتتي[25])، وتمثل
هذه المناظر الملك منتصرًا على أعدائه وهو على هيئة أسد أو بشكل حيوان مجنح وهو
موضوع يعيد إلى الذهن نحت أبى الهول العظيم شمال الطريق الصاعد للملك "خفرع".
[1] - I. E. S.,
Edwards, Some Early Dynastic Contributions to Egyptian Architecture, JEA 35 (1949),
123-128, (fig.).
[2] - H.
Frankfort., Pyramid Temples and the Religion of the Old Kingdom, BIOR, 10 (1953), Pp.157-162.
[3] - C.M. Firth., & J. E. Quibell., The Step Pyramid,
(London-1936)
[4] - B. Smith., Egyptian Architecture., (London-1993), Pp.74.
[5] - H., RICKE,.,
Bemerkungen zur ägyptischen Baukunst des Alten Reiches II. S. Schott,
Bemerkungen zum ägyptischen Pyramidenkult, Kairo, Schweizerisches Institut für
ägyptische Bauforschung und Altertumskunde in Kairo, 1950, Pp. 64.
[6] - Ibid., Pp. 50-62.
[7] - FRIEDMAN,
Florence Dunn, Notions of Cosmos in the Step Pyramid Complex, in: Studies
in Honor of William Kelly Simpson. Volumes I-II. Peter Der Manuelian, Editor.
Rita E. Freed, Project Supervisor,
Boston, Department of Ancient Egyptian, Nubian, and Near Eastern Art. Museum of
Fine Arts, 1996.
[8] - I. E.
S., Edwards., op.cit., P. 125.
[9] - H., RICKE.,
op.cit., Pp. 38.
[10] - GONEIM, M.
Zakaria, The discovery of a new step pyramid enclosure of the Third Dynasty at
Saqqara, in: Proceedings of the Twenty-Third International Congress of
Orientalists, Cambridge 21st-28th August, 1954. Edited by Denis Sinor, London,
The Royal Asiatic Society,
[11] - FRIEDMAN,
Florence Dunn, The Underground Relief Panels of King Djoser at the Step Pyramid
Complex, JARCE 32 (1995), 1-42.
[12] -
LEHNER, Mark, The Complete Pyramids, London, Thames and Hudson, 1997,
Pp.112-205.
[13] - FONSECA, Rory, The
Geometry of Zoser's Step Pyramid at Saqqara,in: JSAH,
45, No. 4 (December, 1986), 333-338.
[14] - DUNHAM,
Dows, Building an Egyptian, in : Archaeology. A Magazine Dealing With the
Antiquity of the World, (New York-1956), pp. 159-165.
LAUER, Jean-Philippe, A propos de la
nouvelle pyramide à degrés de Saqqarah, BIE 36
(1955), 357-364.
[16] - Firth,
Cecil Mallaby: The Step Pyramid, Saqqara. - In: Antiquity. A Quarterly Review
of Archaeology / Quarterly Journal of Archaeological Research, Gloucester /
Newbury / Cambridge, (1928), Pp. 461-463.
[17] - Firth, Cecil Mallaby:
Excavations of the Department of Antiquities at the Step Pyramid, Saqqara
(1924-1925). - In: ASAE
25 (1925) 149-159.
[18] - H., RICKE., op.cit., Pp. 42.
[19] - Quibell, James Edward:
Stone vessels from the Step Pyramid………, Pp. 465-467.
[20] - FONSECA, Rory, The
Geometry of Zoser's Step Pyramid at Saqqara.., Pp. 335-337.
[21] - LABROUSSE, Audran, Le temple funéraire de Pépi I au Nouvel Empire, in: Memphis et ses nécropoles au Nouvel Empire. Nouvelles
données, nouvelles questions. Actes du colloque CRNS. Paris, 9 au 11 octobre
1986, édités par Alain-Pierre Zivie. Avant-propos de Jean Leclant, Paris, ةditions du Centre National de
la Recherche Scientifique, 1988.
[25] - MALEK, Jaromir, The 'Altar' in the Pillared Court of Teti's
Pyramid-Temple at Saqqara, in: Pyramid Studies and Other Essays Presented to
I.E.S. Edwards. Edited by John Baines, T.G.H. James, Anthony Leahy, A.F. Shore,
London, The Egypt Exploration Society, 1988; LAUER, J.-Ph. et J. LECLANT,
Mission archéologique de Saqqarah. I. Le temple haut du complexe funéraire du
roi Téti, Le Caire, Institut français d'Archéologie orientale du Caire,
1972, p., 91-ff.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق