التزامن وأهميته في ترتيب ملوك الأسرة الحادية والعشرين
د/صفاء عبد الرؤوف .. استاذ مساعد تاريخ
مصر القديمة
الحلقة
الثانية
ب- مشكلة تحديد بداية الأسرة الحادية والعشرين ونهايتها.
ومنذ
نهاية الأسرة العشرين حتى منتصف الأسرة الثانية والعشرين. اتبع العلماء فى مسائلة
الكرونولوجى خطً معيناً يقوم على إنقاص عام أو عامين أو أكثر من فترة حكم كل ملك.
ومن ثم فإنه منذ الألفين الأخيرتين قبل الميلاد تم إسقاط ما لا يقل عن140 عاماً
ترتب على ذلك اختصار التاريخ بشكل ملحوظ خلال تلك الفترة. كما هو واضح فى بردية تورين. وعلى الرغم من أن عصر الانتقال الثالث يُعد أكثر
عصور مصر القديمة غموضاً من حيث البداية والنهاية إلا أن "Kitchen" لا يرجح وجود فارق كبير
ما بين نهاية الأسرة العشرين وبداية الأسرة الحادية والعشرين. كما لا يعارض وجود
هذا الفارق أن اثبت بالدليل الأثرى القاطع ، على أن هذه الفترة الفاصلة لن تخرج من
نهاية الأسرة العشرين أو بداية الأسرة الحادية والعشرين.
أما ورقة ماير
الثانية فهى غير ذات محل ثقة بين الأوساط
العلمية كمصدر يُعتمد عليه فى التاريخ اذ تعتمد على التحديدات الفلكية الغير ثابتة ، والمناسبات الدينية. وبما أنه قد اتضح لنا نهاية عهد "رمسيس الحادى
عشر" وتتويج "شيشنق الأول" فى نقوش الكرنك محدد بالعام 935 ق.م فلا
حاجة إذاً لتلك التعقيدات الفلكية.
أما وجود مدينة
القدس من عدمه ضمن المدن التى فتحها فإن تلك قضية ذات طابع دينى للتوراة ولا تلعب
دوراً أساسياً فى مشكلة البحث. أن ما يعنينا فى ذلك الموضوع أن الملك
"شيشنق" قد بداء فى عامه العشرين تلك الفتوحات ومن ثم فقد أصبح واضحاً
نهاية الأسرة الحادية والعشرين وبداية الثانية والعشرين.
ومما جعل موضوع التأريخ للأسرة الحادية والعشرين
أكثر تعقيداً أنه تم تناوله من خلال بعض الكُتاب الذين كانت لهم طرق خاصة فى وضع
نهاية الأسرة بشكل غير واضح إذ تم الخلط
فيها مابين بعض الحقائق وبعض النهايات الممكن حدوثها ، وعلى ذلك لا يمكن القول بأن
هناك شيئا قد تم أثباته دون الرجوع إلى مصدر أثرى موثوق به.
وقد يُرجع البعض هذا التقصير إلى إننا لا نعرف إلا القليل جدا عن طبيعة الفترة
المسماه بـ"عصر النهضة". وعن طول عهد كلاً من الملك "امنؤبى"
والملك "اوسركون". وان الملوك الذين تم ترتيبهم في جداول التزامن ليست
سوى شخصيات وردت فى بعض القوائم والتى نادراً ما يتم مطابقتها مع الآثار وبعض
الوثائق من البردى والتوابيت والنذر اليسير من نقوش المعابد.
وقد سعى
المؤرخون إلى التوفيق بين ما وجد على الآثار لرؤساء كهنة آمون وحكام تانيس مع
المعلومات التي قدمتها لنا قوائم "مانيثون" عن الأسرة الحادية والعشرين،
غير أن محاولاتهم الحثيثة لم تصمد أمام قلة الحقائق الدقيقة والتي لم توفرها
الاكتشافات الأثريه الجديدة والمتعاقبة على مدار السنوات الماضية. أن الاعتماد
اليوم على القوائم التى وضعها
"مانيثون" لهذه الفترة لا ينبغي أن تقبل دون تدقيق.
كان هناك
اعتقاداً راسخاً بأن "سيمندس"و"حريحور" و"بانحسى"
يرتبطون بروابط عائلية، بل ويرتبط كلاً منهم بالرعامسة بطريق أو بأخر، غير أن
البعض أرجع أصول الجنرالات الثلاثة إلى الوجه البحرى وتجمع بينهم أصول الزمالة
وعلاقات ودية ومصالح مشتركة. وكانت تؤيدهم فى ذلك الملكة "تانيت أمون"
التى قد تنتمى إلى نهاية الأسرة العشرين. ولكنهم اختلفوا فيما بينهم بعد إبعاد
الملك عن السلطة. ويؤكد "Niwinsky" أن هذا الاعتقاد لا مبرر له
وقد أدى بنا إلى الوقوع فى خطأ ميتودلوجى (منهجى) ؛ لأننا بذلك أردنا
تطبيق حلول نموذجية لفترة استقرار تاريخى على أوضاع مهددة بالاضطرابات والانحلال،
وكان من الأفضل افترض حلول لا نموذجية.
ويتميز كبار
كهنة آمون بطيبة عن ملوك تانيس المعاصرين لهم بسهولة الترتيب والتسلسل الزمنى،
لوجود نوعاً من القرابة الواضحة نسبياً، لذا فإن خط سير الكهنة يُنظر إليه بعين
الرضاء من قبل العلماء. فبغض النظر عن طبيعة العلاقة التى تجمع كلاً من
"حريحور" و"بعنخى"
والتى تذهب فيهما بعض الآراء إلى أن "بعنخى" كان احد قواد
"حريحور" وتوفى قبله إلا أن باقى تسلسل الكهنة يسير بشكل جيد.
وعلى أية حال
فإن النصف الثانى من الأسرة الحادية والعشرين اكثر وضوحاً من النصف الأول الذى
يفتقر إلى أدلة واضحة ومباشرة. فقد اختلط على "مانيثون" سنوات الأسرة مع
سنوات بداية الأسرة الثانية والعشرين.
ثانياً - الصعوبات التى تواجه المورخين فى
التأريخ لهذه الأسرة وتحديد فترات الحكم فيها.
ويمكن تلخيص
المشكلات الأساسية للتزامن الخاص بهذه الأسرة فيما يلى :
أولاً : عدم وضوح صلة
القرابة والنسب بين الرعامسة من جهة والأسرة الحادية والعشرين ، من جهة أخرى وما
أعقب تلك الصلة من أحقية أفراد الأسرة فى الحكم.
ثانياً :
وضع كبير كهنة آمون "بانجم الأول" الغير واضح حتى الآن.
ثالثاً :
وضع كلاً من الملك "بسوسينيس الأول" والملك "امنؤبى" فى منتصف
الأسرة.
رابعاً : عدم تحديد صلة "أستمخيب" بالأسرة
الحادية والعشرين. والتى بلا شك لعبت دوراً كبيراً فى خط سير أحداثها.
خامساً :
وجود العديد من الشخصيات – سواء رجال أو نساء - يحملون أسماء وألقاب مكررة.
وبالإضافه إلى ما سبق توجد صعوبات الأخرى ذكرها "Niwinsky" أجملها فيما يلى :
1-
صعوبة تحديد العلاقة التى تربط بين "سيمندس" و"تانت
آمون".
2-
تفسير لقب "تانت آمون" سيدة الأميرات الوارد ببردية الملكة
"حنت تاوى" والتى عُثر عليها مع مومياءها بخبيئة كبار الكهنة بالدير
البحرى.
3- عدم وجود اتفاق حول الشخصيات الواردة فى تقرير"ونامون" إذ
لم تأخذ فيه أى شخصية لقباً محدداً.
وهذه النقاط
الأساسية فى التزامن من الصعب تأكيدها بشكل قاطع أو التسليم بها إلا انه يمكن
التوفيق بين ما جاء على الآثار ومقترحات العلماء.
أن مقارنة
المصادر مع بعضها البعض تُظهر لنا ذلك التناقض الواضح خاصة إزاء الملوك الذين حكموا
لفترات طويلة. هذا إلى جانب العديد من الأسباب التى تجعل تأريخ الأسرة الحادية
والعشرين أمراً صعباً منها:
1- أن معظم الوثائق لم تُسجل تاريخاً محدداً للملك المذكور عليها.
2- ساعدت الأوضاع المضطربة التى سادت مصر العليا آنذاك والتى أتت منها
معظم الوثائق على عدم الدقة فى التاريخ.
3- تخصيص "مانيثون" كتابه الثالث للتقاليد المنفية بمصر
السفلى جعلته يضع كهنه تانيس موضع الملوك دون توضيح الظروف التى ادت الى ذلك.
3- تضارب
ألقاب كبار كهنة آمون بطيبة خاصة كلاً من "بانجم الأول" و"بسوسينيس
الثالث"
بنهاية الأسرة
العشرين وبداية الحادية والعشرين بدأت الأسماء الملكية تأخذ شكلاً غريب خاصة فى مقدمة الاسم فأصبحت سمه غالبة وجود مقدمة مثل "عنخ
أف إن" و"جدد" و"أف عنخ" ، والأخير كان غالباً ما يسبق
الاسم النسو بيتى وعلى هذا الأساس يمكن تحديد ما إذا كان الاسم ينتمى إلى الفترة
الأخيرة من الأسرة العشرين أو بداية الأسرة الحادية والعشرين. تلك المقدمات أصبحت
حداً فاصلاً يمكن من خلاله تحديد موقع الملك فى الأسرة سواء فى بدايتها أو منتصفها
أو حتى فى نهايتها.
وقد ذكر "Petrie" أن هناك علاقة نسب بين "رمسيس
الحادى عشر" الذى ولد حوالى عام 1186 ق.م و"حريحور" الذي ولد فى
حوالى عام 1166 ق.م وتزوج فى السابعة والعشرين من عمره فى حين كانت زوجته
"حنت تاوى" فى عامها الرابع والعشرين حينما رزقوا بالأطفال. ومن ثم فقد
تكون "حنت تاوى" الابنة الصغرى لـ"رمسيس الحادى عشر" أو إحدى
أشقاءه أو من عائلة احد المقربين إليه.
واعتمد "Maspero" على أكفان الدير البحرى بطيبة فى محاولته
لترتيب خط كبار الكهنة وتحديد فترات حكمهم. وكانت الخبيئة مصدراً هاماً لـ"Maspero" استغلها بشكل جيد. وعلى الرغم من ذلك فإن
هذا المصدر يعد فقيراً للقيام بدراسة وافية لتاريخ تلك الفترة إن لم تتوافر إلى
جانبها مصادر أخرى ، وحتى العثور علي تلك المصادر ليس أمامنا سوى الاعتماد عليها
ريثما يتم التوصل إلى مصدر أكثر وفرة فى المعلومات من احد العاصمتين أو أى مكان أخر.
كما يبدو أحيانا
أن الاعتماد على نظام التأريخ الموجود على الضمادات "Bandages" وأربطة المومياوات قديما وغير
مُجدى. إذ من الممكن أن يكون للمومياء الواحدة أكثر من
تأريخ خاصة فى ظل عمليات النقل المتكررة.
ومن الصعب تكوين
قاعدة يمكن من خلالها إعادة صياغة النقوش بحيث تعطى تاريخ محدد. كما يصعب أيضاً
التسليم بأن تلك السنين المدونة على لفائف المومياوات تُشير إلى فترة حكم كبار
كهنة طيبة على الرغم من عدم ذكر ملوك تانيس عليها.
أن اقتراح تأريخ مستقل لكل ملك من ملوك طيبة أو
تانيس سوف يذهب بعيداً عن عين الصواب إذا تم الاعتماد فى ذلك على تلك التواريخ
المتضاربة والمختلفة. أما فى الوقت الحاضر
فلم يعد من المجدى استخدام النقوش التى على المعابد لتحديد تلك التواريخ الغير
معروفه ، ولا يتم ذلك إلا عن طريق الرجوع لفترة حكم ملك يكون موثوق به تاريخياً،
وعلى الرغم من ذلك فلابد من افتراض أن تلك
السنوات المجهولة ربما تكون مرتبطة بفترة حكم (ملوك) طيبه، والتى تتعلق أسمائهم
بتلك التواريخ. كما أن هناك احتمالاً كبيراً بوجود بعض أسماء ملوك تانيس التى كان
قد تم كتابتها ومحيت بفعل الزمن. وخير دليل على ذلك الموميا رقم
(105) المدون عليها العام الثامن والأربعون من حكم "من خبر رع" وهى فترة
حكم طويلة وواضحة نسبياً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق