القاهرة الفاطمية
بقلم أ/ أحمد المنسي .. مفتش الاثار الاسلامية
قبل أن نتحدث عن نشأة القاهرة فى
العصر الفاطمى يجدر الإشارة بمؤسس الدولة الفاطمية وهو (أبو عبد الله الشيعى)،
الذى إستطاع أن يهاجر إلى المغرب العربى ويدعو إلى الإمام (عبد الله المهدى)، وبعد
أن إستقرت الأمور له هناك دعا (أبو عبد الله الشيعى) (عبد الله المهدى) للقدوم إلى
المغرب، ولبى (عبد الله المهدى) الدعوة وسارع بالذهاب إلى المغرب ومعه ولى عهده
(القائم)[1]،
وينسب الفاطميين إلى فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجة على بن
أبى طالب، وإعتنقوا المذهب الشيعى على الطريقة الإسماعيلية[2].
- المعز لدين الله:
هو (المعز أبى تميم معد بن إسماعيل الملقب بالمنصور بن أبى القاسم نزار
الملقب بالقائم بن عبيد الله[3]،
لقبه: معد، وكنيته: أبو تميم، ولد فى مدينة المهدية عام 319هـ، وتولى الخلافة عام
342هـ، وهو بسن 23عام، له من البنين أربعة هم: (تميم الشاعر، عبد الله، العزيز،
وعقيل) ومن البنات إثنتان هن: (رشيدة، وعمدة)، وكانت وفاته فى مصر سنة 361هـ[4].
قدم المعز إلى القاهرة بعد أن إستدعاه لها جوهر الصقلى فى 7 رمضان سنة
362هـ/972م[5]،
وكان أول الخلفاء الفاطميين فى مصر ورابعهم فى الخلافة، وتولى الحكم من بعده إبنه
العزيز، وبلغت رقعة الخلافة الفاطمية فى عهدة ذروتها بل زادت عن رقعة الدولة
العباسية نفسها، فإمتدت من المحيط الأطلسى إلى البحر الأحمر[6].
- جوهر الصقلى:-
أراد المعز لدين الله فتح مصر لتكون سنداً له ومقراً لنشر مذهبه وتوسيع
ملكه، وأسند تلك المهمة إلى أبرز قواده وهو (جوهر الصقلى)[7].
ولد جوهر الصقلى فى جزيرة صقلية التى تم نسبه إليها وعرف بإسم جوهر الصقلى
كما عرف أيضاً بجوهر الكاتب، ويشير إبن زولاق أن تاريخ مولده يتراوح فيما بين سنتى
308هـ، 307هـ، فى حين يشير المقريزى إلى أن تاريخ مولده فيما بين سنتى
298هـ/300هـ، وكانت وفاته سنة 381هـ[8].
ونشأ جوهر فى كنف الدولة الفاطمية ببلاد المغرب، وكان قرباً من الخليفة
المعز لدين الله وكناه بأبى الحسين[9].
- دخول الفاطميين مصر:-
كانت مصر قبيل الفتح الفاطمى تحت حكم الأخشيديين منذ سنة 323هـ إلى وقت
دخول الفاطميين سنة 358هـ، ولم يكن فتح مصر وليدة اللحظة وإنما حاول الخلفاء
الفاطميين الذين جاؤا قبل المعز لدين الله أن يفتحوا مصر وأرسلوا الحملات لمحاولة
فتحها، حيث أرسل عبيد الله المهدى (297-322هـ) – أول الخلفاء الفاطميين – ثلاث
حملات لغزو مصر[10]،
وبائت تلك الحملات بالفشل وتوقفت الحملات من بعده حتى عهد الخليفة المعز لدين الله
الذى أرسل الحملة الرابعة وزودها بالمؤونة والمعدات الحربية وإنطلقت تلك الحملة من
القيروان فى 14 ربيع الأول سنة 358هـ (5 فبراير سنة 969م)، ووصل إلى الجيزة
وإستولى عليها فى 7 شعبان سنة 358هـ (6 يوليو سنة 969م)[11].
وكان فتح مصر يسيراً ويرجع ذلك إلى إضطراب الأوضاع فى مصر فى عهد كافور
الأخشيدى إذ إنتشرت المجاعات فى أنحاء البلاد وغيرها من الأسباب التى مهدت للفتح
الفاطمى لمصر[12]،
الأمر الذى جعل أهل مصر ممهدين لإستقبال الفاتح الجديد ناظرين إليه نظرة المنقذ
وخرج الوزير جعفر بن الفرات ومعه الأشراف ووجوه البلد يوم 17من شعبان سنة 358هـ/
3يوليو 969م لمقابلة جوهر وتهنئته بسلامة الوصول ونجاح الفتح[13].
وعقب هذا شرع جوهر الصقلى فى تشييد مدينة القاهرة وبناء الجامع الأزهر
وتهيأة الأمور فى مصر تمهيداً لقدوم المعز لدين الله، وبعد أن تم له هذا أرسل إلى
المعز يدعوه للقدوم إلى مصر، فغادر المعز لدين الله شمال أفريقيا ودخل مصر فى 7
رمضان سنة 362هـ/ يونيو 972م[14].
- تأسيس مدينة القاهرة:-
حرص المسلمون الأوائل بتخطيط المدن عقب الفتوحات الإسلامية، وراعوا عند
تخطيطها شق الشوارع وإقامة الميادين والحارات والمسجد الجامع وبيت الإمارة[15]،
وعلى غرار ذلك أسس جوهر الصقلى مدينة القاهرة وإستخدم فى بناء أسوارها وأبوابها
الأولى آجر[16]،
وسميت المدينة فى أول الأمر (المنصورية) نسبة إلى مدينة المنصورية التى أنشأها
المنصور بالله والد الخليفة المعز خارج القيروان[17]،
وبعد قدوم المعز لدين الله إلى مصر سميت بإسم القاهرة وذلك بعد أربع سنوات من
تسميتها الأولى[18].
وتعتبر مدينة القاهرة رابع المدن الإسلامية الإسلامية التى أنشئت فى مصر
بعد (الفسطاط، العسكر، والقطائع) وكان إنشائها إمتداداً لهم[19].
وأول ما أِختط بها هو موقع القصر الذى أراد أن يعده لإستقبال المعز، وبنى
سوراً خارجياً من اللبن[20]
على شكل مربع طول ضلعه 1200م[21]،
وكانت مستحة الأرض التى حددها هذا المربع 340 فداناً منها حوالى 70 فداناً بنى عليها
القصر الكبير[22]،
وقد أزيل هذا القصر وإندثر وحلت محله المدارس التى أنشئت فى العصرين الأيوبى
والمملوكى، وحى خان الخليلى وحى الجمالية.
وعكس نظام تخطيط المدن الإسلامية الذى إتخذ من المسجد الجامع قلباً يتوسط
أى مدينة جديدة فقد كان القصر الفاطمى الكبير هو مركز مدينة القاهرة الفاطمية[23]،
وأشار إبن دقماق أن سبب بناءه حتى يكون هو وأعوانه وجيوشه بمعزل عن عامة الشعب[24]،
وإختط حول القصر الخطط للجند، وأشار (ناصر خسرو) الرحالة الفارسى بعد زيارته لها
سنة 441هـ/ 1049م بأن القصر السلطانى يقع فى وسط القاهرة ولا يتصل به أى منشأة من
جميع جهاته ويحيط به فضاء ويظهر من خارج المدينة وكأنه جبل لكثرة مافيه من الأبنية
المرتفعة[25].
وكما كانت العادة عبد بناء المدن الجديدة بإنشاء مسجد جامع، شرع جوهر
الصقلى فى عام 359هـ/ 970م فى وضع حجر الأساس للمسجد الجامع الذى عرف فيما بعد
بالجامع الأزهر[26]،
وذلك لأنه رأى ألا يفاجئ السنين فى مساجدهم بشعائرالمذهب الفاطمى الشيعى خشية
إغضاب المصريين[27]،
وكان الإنتهاء منه عند قدوم المعز لدين لدين الله وصُليت فيه أول جمعة فى 7 رمضان
سنة 361هـ/ 20 يوليو سنه 971م، وقد إستخدم فى بنائه الآجر شأنه شأن القصر
والأسوار، ويشبه التخطيط الأصلى له تخطيط جامع إبن طولون وجامع المهدية ولم يبقى
من الجامع الفاطمى سوى المجاز القاطع الذى يتجه نحو المحراب الفاطمى وعقوده[28].
- الأسوار والبوابات:
أخذت الأسوار الرئيسية للمدينة الشكل المستطيل تقريباً ويبلغ طول ضلعه من
الشرق إلى الغرب 1100 م ، ومن الشمال إلى الجنوب حوالى 1150م، ويحد الحائط الجنوبى
الفسطاط والشرقى المقطم والشمالى الخلاء، والضلع الغربى يحازى الخليج الذى ظل
قائماً حتى نسنة 1889م[29].
ويوجد بالسور ثمانية أبواب وهى:
فى الناحية الجنوبية باب زويلة وباب الفرج، وفى الحائط الغربى باب سعادة وباب
القنطرة، وفى الحائط الشمالى باب الفتوح وباب النصر، وفى الحائط الشرقى باب البرقية، وباب القراطين الذى عرف بعد ذلك
بإسم الباب المحروق، وقد أزيلت تلك الأبواب وحلت محلها أبواب القاهرة بعد تجيدها
على يد بجر الجمال ثم على يد صلاح الدين الأيوبى ومن الأبواب الباقية إلى الأن
(باب زويلة، وباب الفتوح، وباب النصر)[30].
والجدير بالذكر أنه عند قدوم المعز لدين الله إلى القاهرة لم يُعجب بموقع
المدينة ومن إختيار جوهر ووجه إليه اللوم فى ذلك[31]،
وأنشأ الخلفاء الفاطميين الحدائق وتوسعوا فى العمران إلى خارج أسوار القاهرة، وتم
توسيع المدينة سنة 480هـ/ 1087م على يد بدر الجمالى من الناحية الشمالية والجنوبية[32].
ومن ثقم يمكننا القوم أنه عندما أنشأ جوهر الصقلى مدينة القاهرة فى بادئ
الأمر لم تكن فى نيته أن تكون قاعدة أو دار خلافة، بل إختطها لتكون سكناً للخليفة
والجند[33]،
ويكننا القول أن المدينة الوليدة إشتملت على قصراً للخليفة، ومسجداً جامعاً،
وأخطاط للجند منها (حارة الروم، حارة زويلة، حارة برجوان ... وغيرها)، ويحد كل هذا
سوراً فتحت به الأبواب وأخذت المدينة فى الإتساع والتعمير حتى وسعت فى عهد بدر الجمال ثم فى عهد صلاح الدين الأيوبى.
[1] - على حسن الخربوطلى: أبو عبد الله الشيعى مؤسس
الدولة الفاطمية، المطبعة الفنية الحديثة، 1972، صـ52.
[2] -
أحمد عبد الرازق: تاريخ وآثار مصر الإسلامية (من الفتح العربى حتى نهاية العصر
الفاطمى)، دار الفكر العربى، 1420هـ/1999م، صـ169.
[3] - ياقوت الحموى(شهاب الدين بن عبد الله الحموى الرومى
البغدادى) المتوفى سنة 626هـ: معجم البلدان، جـ7، مطبعة السعادة بجوار محطة مصر،
1324هـ-1906م، صـ19.
[4] - عارف تامر: المعز لدين الله الفاطمى (واضع أسس
الوحدة العربية الكبرى)، منشورات دار الأفاق العربية الجديدة بيروت، طـ1،
1402هـ/1982م، صـ67.
[5] - أحمد عبد الرازق: المرجع السابق، صـ 179.
[6] - عارف تامر : المرجع السابق، صـ 70.
[7] - المرجع السابق، صـ 79.
[8] - على إبراهيم حسن: تاريخ جوهر الصقلى (قائد المعز
لدين الله الفاطمى)، مكتبة النهضة العربية، طـ2، 1963م، صـ13:12.
[9] - المرجع السابق، صـ 14.
[10] - نفسه، صـ
18، 25
[11] - حسن الباشا وآخرون: القاهرة (تاريخها وفنونها
وآثارها) بحث عن القاهرة، مؤسسة الأهرام ، صـ 28.
عبد الرحمن زكى: القاهرة تاريخها
وآثارها (969 – 1825) من جوهر القائد إلى الجبرتى المؤرخ، الدار المصرية للتأليف
والترجمة، 1386هـ/1966م، صـ 9.
[12] -
للمزيد أنظر: أيمن فؤاد السيد : الدولة الفاطمية تفسير جديد، محمد جمال الدين سرور
: تاريخ الدولة الفاطمية.
[13] - أحمد عبد الرازق: المرجع السابق، صـ 177.
[14] - عارف تامر: المرجع السابق، صـ67.
أحمد عبد الرازق: المرجع السابق،
صـ179.
[15] - حسن عبد الوهاب: تخطيط القاهرة وتنظيمها منذ
نشأتها، مطابع دار النشر للجامعات المصرية، 1957م، صـ1.
[16] - أيمن فؤاد سيد: الدولة الفاطمية فى مصر (تفسير
جديد)، الدار المصرية اللبنانية، طـ1، 1413هـ - 1992م، صـ389.
[17] - حسن الباشا وآخرون: المرجع السابق، صـ 29.
[18] - أحمد عبد الرازق: المرجع السابق، صـ 178.
[19] - حسن عبد الوهاب: المرجع السابق، صـ 1.
[20] - أحمد عبد الرازق: المرجع السابق، صـ178.
[21] - حسن الباشا وآخرون: المرجع السابق، صـ 28.
[22] - عبد الرحمن زكى: المرجع السابق، صـ 10.
[23] - أيمن فؤاد سيد: المرجع السابق، صـ 389.
[24] - عبد الرحمن زكى: المرجع السابق، صـ10.
[25] - سفر نامة: تعريب الدكتور الخشاب، صـ48.
[26] -
أيمن فؤاد سيد: المرجع السابق، صـ 390:389.
[27] - أحمد عبد الرازق، المرجع السابق، صـ 390.
[28] - أيمن فؤاد سيد: المرجع السابق، صـ 390.
[29] - حسن الباشا وآخرون: المرجع السابق، صـ 32.
[30] -
حسن الباشا وآخرون: المرجع السابق، صـ 32.
[31] - حسن عبد الوهاب : المرجع السابق، صـ3.
[32] -
نفسه، صـ4.
[33] - عبد الرحمن زكى: المرجع السابق، صـ 11.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق