مقدمة عن الفن المصري القديم
بقلم : نورا مجدى
" الفن هو أرقى اللغات والوسائل التى يحاول من خلالها الإنسان – منذ
ان خلقه الله - التعبير عن ما بداخل نفسه وعن ذاته عن طريق استخدام مهاراته لإنتاج
أشياء تحمل قيمة فنية . ويقول " أرسطو" عن ماهية وطبيعة العمل الفنى - بمفهومه العام والشامل
- فى كل المجالات ( إن العمل الفنى هو مزاولة فعل بقصد البراعة فى انجاز عمل بعينه
، على أن تكون له قيمة خاصة ، وذلك بكل متطلبات النجاح من خبرة واسعة وتفكير صائب
وأداء هادف
) . ومن الناحية
اللغوية لكلمة " فن " بالعربية تقابلها كلمة (τέχνη ) باليونانية وهى تعنى لديهم المهارة والحذق
فى التقنية أو الأعمال اليدوية ، أما كلمة " Art " التى ترجع الى اللاتينية "Ars "تترجم بالعربية بكلمة "
فن " فتعطى أيضا معنى المهارة فى الصنعة والحنكة والحيلة والخبرة . كما ان
هناك فرق بين الفنون الجميلة Fine Arts والفنون التشكيلية Plastic Arts وفى الحضارات القديمة بصفة عامة و العصور الكلاسيكية ( اليونانية –
الرومانية ) بصفة خاصة قد تميزت ، بتعدد و تنوع عطائها فى مجالات الفنون التشكيلية
التى يمكن تحديدها على النحو التالى : 1- فن نحت التماثيل 2- فن
التصوير " الرسم ، النقش " 3- فنون الكتابة أو التصوير بخطوط مرسومة 4- الفنون الصغرى 5- فنون العمارة ويضيف علماء الفنون فى عصرنا
الحديث ان من ضمن وسائل التعبير عن الإنسان واحساسه هى: الموسيقى والغناء و الرقص
والتمثيل ، كذلك الشعر ولأن الفن هو أصدق مرآة تسرد لنا أخبار الأمم فى العصور
القديمة ومن خلاله نتعرف على المعتقدات والأخلاق والقوانين و العادات و الحالة
الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ... الخ ، فهنا نعتز ونكتفى بالحديث عن أعظم
فنون حضارات العالم ألا وهو " الفن المصري القديم " . قد ورثنا نحن المصريين كثيرا من مشاعر
أجدادنا الأولين وأحاسيسهم الفنية ووصل الى أرواحنا كثير من تصوراتهم و أخيلتهم ،
ومن الواجب علينا أن نتعرف على هذا الإرث العظيم لنبنى على أساسه حضارة جديدة يفخر
بها من يأتى بعدنا و لنبحث فى هذا الفن الأصيل عن هويتنا التى يريد البعض أن
يطمسها ليسهل عليهم تزوير التاريخ . تعتبر
مصر القديمة صاحبة أعظم حضارات الاستقرار والاستمرار فى العالم القديم ، ومن هنا
يأتى إنتاجها الفنى الغزير فى شتى المجالات ، والذى يرجع الى حوالى الألف الرابع
قبل الميلاد – على أقل تقدير- والذى استمر ما يزيد عن ثلاثين قرنا ، فانه يحمل
طابعا موحدا وأسسا واحدة لم تتغير خلال حكم الأسرات العديدة إلا فى اختلافات يسيرة
و يرجع ذلك الثبات الى أن الفن كان وظيفة وأداة لنظام دينى يهدف الى الحفاظ على
نظام مثالى للكون
. واذا تتبعنا
تاريخ الفن المصرى القديم نجد أن الفن جاء معبرا عن كل مرحلة من مراحل التاريخ
المصرى القديم ، ففى عصور ما قبل التاريخ نجد أن انسان هذه المرحلة فى صحراوات مصر
العليا وبلاد النوبة ترك لنا الصور الصخرية والتى جاءت لتعبر عن وجوده وعطائه
الفنى الذى ينسب لوداى النيل برسومات بسيطة ومجردة ووضع علامات ورموز على جدران
الكهوف وعلى الأدوات الخاصة به ما رآه فى بيئته كانت لها دلالات دينية وأغراض
سحرية ، ومع تحول الإنسان من جامع للثمار الى منتج لها من خلال تعلمه الزراعة
ودخول الأرض المصرية فى مضمار الحضارة المدنية جاءت الأعمال الفنية أكثر تنوعا
وتأكيدا أنها لأغراض سحرية وعقيدة راسخة فى البعث والشعور بالقوى الخفية المهيمنة
على الكون كله " الآلهة " . ومع عصر قبيل الأسرات أو نقادة الثالثة أو
عصر التوحيد (
3200ق.م : 3000
ق.م ) ومع اكتشاف الكتابة والتدوين كان هناك تحول سريع وتطور فى العقيدة الدينية
والأساليب الفنية والتى كانت هى القاعدة الحضارية الأساسية التى منها انطلقت
العصور التاريخية لمصر القديمة بملوكها العظام ، ففى فنون الدولة القديمة نجد من
القوة والعظمة والجلال ما لا مثيل له فى أى عصر آخر ، وفى الدولة الوسطى تنم
تماثيل الملوك والأفراد عن أحوال ذلك العهد وما اقتضته البلاد من جهد متصل وحزم
للنهوض بالبلاد من كبوتها بعد مضى عصر الاضطراب الأول ، وفى الدولة الحديثة ظهرت
على الفنون ملامح الرخاء والعناية بالجمال وبعض التأثيرات الخارجية واللمسات
الفنية الرقيقة . ومع هذا كله أصبح للفن المصرى شأن خاص وطابع مميز وهذا الطابع من
القوة والوضوح يسهل التعرف عليه فى أى أثر مصرى بين العديد من آثار سائر الأمم
والشعوب ويرجع ذلك الى أن الفن المصرى عبر كل الفترات يخضع لعدة مؤثرات وعوامل
خاصة بطبيعة أرض مصر التى تمتاز بقوة شخصيتها و وضوح معالمها وانتظام أحوالها ،
وفى التالى ايجاز لهذه العوامل : أولا
: العامل الجغرافى : تنعم
مصر بأرض سهلة منبسطة تمتد من الجنوب الى الشمال يحفها هضبتين من الشرق والغرب ،
ونيل عظيم هادئ تفيض مياهه فى وقت معلوم ليخصب الأرض وينمو الزرع ويحيى الأرض بعد
جفافها فهو عصب الحياة فيها وسبب بقائها ولولاه لاختلف وجه الحضارة المصرية
القديمة تماماً ، و صحراء مصر والتى كانت و مازالت تملأ قلب كل عاشق لمصر يجوب
فيها روعة بما فيها من مظاهر جلال وخلود ، وبالنسبة للطامعين فيها والغزاة عليها
فهى أشبه بالحصون الطبيعية التى تقف أمامهم حتى الآن للدفاع عن المصريين وحمايتهم
مما كان له أكبر الأثر فى توفير السلام والأمان والذى انعكس على الفن واستقراره
وازدهاره
. ثانيا : عامل
المناخ
: كان لمناخ مصر
أثره على الفنون حيث كانت تتميز ولا تزال بجو مشرق جميل ، وسماء صافية تشرق فيها
الشمس كل نهار و تكسو الطبيعة بأشعتها الذهبية ويغمر ضوءها البلاد فتبدو الأشياء
على حقيقتها و تسعى المخلوقات للعمل وطلب الرزق ، وما ان ترحل شمس النهار وتختفى
فى عالم الغرب فيشمل الكون ظلام دامس، وتتزين فيه السماء بالنجوم والكواكب كأنها
مصابيح
. ثالثا : العامل
الجيولوجى
: أتاحت وفرة
المواد الطبيعية والأحجار المختلفة فى مصر الى تشييد المعابد الضخمة والمقابر
وتزيين جدرانها بالصور والنقوش الرائعة ، واقامة التماثيل الضخمة والمفرطة فى
الضخامة حيث استخدمت الأحجار مثل الجرانيت الأحمر والأسود ، والمرمر ، والاردواز،
والديوريت ، والبازلت والحجر الجيرى ..الخ ، بالاضافة الى استخراج المعادن والمواد
النفيسة من صحراوات مصر مثل الذهب ، النحاس ، الإليكتروم ، الحديد ، الفضة ، وكان
المصريون لهم من الخبرة ما يكفى للتعامل مع طبيعة المواد المختلفة وبما تصلح له من
اشكال و أغراض.
رابعا : العامل
السياسى والاقتصادى : كانت
للحالة السياسية والإقتصادية آثارها على الفنون ، ففى عصور ما قبل الأسرات عندما
كانت الأقاليم منقسمة لا تجمعها حكومة موحدة كان للأعمال الفنية غير مميزة عن
أعمال الشعوب الأخرى ، وما ان توحدت البلاد فساعد استقرار النظام والأمن على
استقرار الفن واتخاذ طابع خاص ، وهكذا ظلت الفنون المصرية على الدوام تتأثر
بالحالة السياسية واستتباب الأمن والتقدم الإقتصادى خامسا : الفنان المصرى القديم : كان الفنان المصرى طوال
التاريخ هو الدعامة الأولى للحضارة المصرية فكان ذا حس مرهف وشعور فنى دقيق وقدرة
فنية بارعة وتمسكه بعاداته وتقاليده حيث كان فى كل العصور وثيق الصلة بالبيئة التى
كان يعيش فيها وبالظروف والملابسات التى كانت تسود عصره فجاءت أعماله تنطق بروح
عصره وتعكس مشاعر المصريين وعقائدهم وأحوالهم ، وكان الفنان المصرى القديم ينتمى
الى طبقة الحرفيين وهى الطبقة الوسطى فى المجتمع ولم يكن لهذه الطبقة مكانة خاصة إلا
من كان ذو مهارات حاذقة حظى على رعاية الملك وعمل فى القصر الملكى ، بينما حظى
فنانون آخرون برعاية الإله الخالق "بتاح" رب الحرف والصناعات العمل فى
المعابد ، وكان المصريون ينظرون الى الفنان نظرة تقديس حيث أنهم أدوات الإله على
الأرض وقد وصل هذا التقديس للفنان الى أن أصبح معبودا " ايمحتب " ، هذا
التقدير والتقديس وهو ما لم يحظى به الفنان الأغريقى أو الرومانى، والسبب فى ذلك
جاء من أن الفنان المصرى القديم يؤدى وظيفة دينية أكثر من اهتمامه بوظيفة جمالية
بحتة
.





ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق