التزامن وأهميته فى
ترتيب ملوك الأسرة الحادية والعشرين.
يكتبه د/ صفاء عبد
الرؤوف
أ- تعريف التزامن.
يعد التزامن وتحديد فترات الحكم أحد أهم مشكلات
عصر الانتقال الثالث بصفة عامة والأسرة الحادية والعشرين بصفة خاصة ؛
إذ يعتمد اعتماداً أساسياً على العلاقات المباشرة بين ملوك تانيس وكبار كهنة طيبة.
فالتزامن هو محاولة إيجاد خطاً زمنياً متوازياً بين كلا البيتين، أى تسلسل ملوك
الشمال وتحديد فترات حكمهم من ناحية ، وفترات حكم كبار كهنة آمون فى طيبة من ناحية
أخرى فى نفس الوقت ومما يؤسف له أن تلك العلاقة لم تُدعم بقوة من الآثار المعاصرة
لها ، حتى يمكن الاعتماد عليها للفصل فى القضايا الهامة. كما أن تشابك الأنساب
وعدم وضوحها زاد الأمر تعقيد. مما جعل العديد من العلماء يتحولون عن مناقشة تلك
القضية - إلا فيما ندر- كما أن عدم وضوح بداية ونهاية الأسرة الحادية والعشرين
أضاف على المشكلة نوعاً من التعقيد.
وقد
أشارت العديد من الدراسات التى أُجريت مؤخراً عن الأسرة الحادية والعشرين أنه ما
زال هناك تداخل في فهمنا لتلك الفترة. حيث أُرخت معظم الأحداث بعصر النهضة ، كما
ارتكزت معظم الدراسات على أن ملوك تانيس هم الملوك الشرعيين للبلاد.
وعلى أية حال فإن إدراج الأسرة الحادية والعشرين
ضمن أسرات عصر الانتقال الثالث يُعد حتى الآن تقسيماً منطقياً. إذ يراها البعض
النهاية المتوقعة لما أل إليه عصر الرعامسة. ولا يمكن فصلها عنه زمنياً أو
حضارياً.
ومن ثم فإن الاقتراحات الجديدة التى تميل إلى ضم
الأسرة الحادية والعشرين إلى الدولة الحديثة ، سوف تذهب أدراج الرياح مالم تُقدم
أدلة واضحة ومحددة عن وجود صلة قرابة أو نسب تجمع بين ملوك تانيس أو كبار كهنة
طيبة من ناحية وأواخر ملوك الأسرة العشرين من ناحية أخرى. أما اعتماد هؤلاء
العلماء على أن هذه الأسرة هى امتداداً للأسلوب الإدارى والسلطة الملكية فى أواخر
عصر الرعامسة ، أو احترام كلا البيتين للملك "رمسيس الحادي عشر" فإن ذلك
لا يعنى مطلقاً وجود صلة قرابة بينهما. حيث فقد الملك أهميته تدريجياً وصولاً فى
النهاية إلى تنحية جانباً.
ويسير خط التزامن
التاريخى لملوك مصر القديمة بشكل واضح. ويعد أفضل خطوط التزامن فى الحضارات
القديمة. سواء كان ذلك فى معاصرتهم الداخلية فيما بين شطرى القطر شمالاً وجنوباً
أو للحضارات المعاصرة لهم والتى لا تعطى منفردة مؤشراً واضحاً للأحداث التاريخية
الخاصة بها فلم تُسجل قوائم لملوكها بشكل مستقل.
ويعزز ذلك ما ذكرته
"مارثا.بل" بأن الكرونولوجيا الخاصة ببلاد اليونان وكثيراً من بلدان
الشرق الأدنى تعتمد اعتماداً قوياً على الكرونولوجيا المصرية وهو ما ذهب إليه أيضاً "E.J.Bickrman".
وعلى الرغم من عدم
الجزم بدقة التقديرات الرقمية ، فإن تاريخ الحضارة المصرية فى الإطار العام تُعد من أكثر تواريخ حضارة الشرق الأدنى القديم
وضوحاً، اللهم إلا بعض الفترات التاريخية التى يُطلق عليها فترات الانتقال والضعف؛
ذلك أن مصر تعتمد فى تأريخ فتراتها على سجلات مكتوبة من نوع ما منذ الدولة القديمة
فى الإلف الثالثة ق.م وتكاد تتفق الآراء على أن هذا الثبات والواضح يرجع للأسباب
التالية
أولاً : توفر
المعلومات الفلكية من أورق البردي مثل بردية "إبيرس" المعروفة باسم ورقة
ماير الثانية والتى عُثر عليها عام 1904. وحددت تاريخ وفاة الملك "رمسيس
الحادى عشر" بالعام1070ق.م. وبالتالي توفير إطار زمني للأسرة الحادية والعشرين من العام 1070ق.م كبداية
للأسرة حتى العام945 ق.م.
ثانياً
: وضوح عصر "شيشنق الأول"(931- 910ق.م) مؤسس الأسرة الثانية والعشرون وفقا لما ذكره بعض
العلماء اعتماداً على ما ذُكر فى الكتاب المقدس. ويعزز ذلك فتحه الكثير من المناطق
الفلسطينة في العام الـ 20 ، وفقا للنقش الشهير بمعبد الكرنك خلال العام925 ق.م ؛
ومن ثم أصبحت نهاية الأسرة الحادية والعشرين واضحة تماماً.
أن ما استند عليه "N.Thom" من هجوم "شاشينق" لتحديد بداية ونهاية الأسرة الحادية
والعشرين يُعد سنداً ضعيفاً. إذ أن الكتاب المقدس والذى يصف بوضوح هجوم فرعون مصر
على عاصمة المملكة اليهودية جنوب يهوذا لم يذكر بالتحديد أن القدس كانت ضمن قوائم
المدن الفلسطينية التى فتحها. على الرغم من أن معظمها يقع ضمن الحدود الشمالية
لمملكة إسرائيل اليهودية. وان كان "Thom" يعول ذلك على أن هناك العديد من المدن التى محى
اسمها من نقوش جداران معبد الكرنك والتى لابد وأن يكون من ضمنها العاصمة.
وقد ساعد فى وضوح
التزامن المصرى عدة أمور أهمها تصديق النقوش الأثريه لما ورد بقوائم الملوك
وكتابات المؤرخين القدامى، وعلى رأسهم "مانيثون السمنودى" ، ومن بعده
"جوزيفوس" ، و"افريكانوس" ، وسرد الكُتب المقدسة لبعض الأحداث
التى أُثبتت حقيقتها فيما بعد.
ويُلاحظ
أن "مانيثون" قد اعتمد فى تأريخه للأسرة الحادية والعشرين على ملوك
تانيس وفى المقابل لم يذكر كبار كهنة آمون بطيبة، على الرغم من اتخاذ بعضهم لجميع
الألقاب الملكية كاملة، بل ولم يهتم بذكر حقيقة ما إذا كان حكمهم فعلياً أم
لا، مما أدى إلى صعوبة تحديد معاصرة ملوك
تانيس مع كبار كهنة طيبة خلال النصف الأول من الأسرة الحادية والعشرين أما النصف
الثانى فقد كان متطابقاً إلى حدا ما مع الوثائق والآثار.
ولذا فإن
إعادة خريطة الأنساب سوف يثير العديد من التساؤلات بين المؤرخين سواء كان ذلك فيما
يخص ملوك الأسرة فى تانيس، أو كبار كهنة آمون بطيبه (الكهنة الملوك).
ولزيادة معرفتنا بخط
سير كبار كهنة آمون وترتيبهم ينبغي للمرء أن يأخذ جميع أصحاب التوابيت المُذهبة
بعين الاعتبار؛ التى تخص كبار الكهنة والملوك ومن أنماط هذه التوابيت يمكن تحديد
العلاقات الأسرية التى تجمع بينهم وهناك أمثلة عديدة عليها بمقابر باب الجواسيس
المكتشفة عام 1891.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق